سورة النساء
»فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجراً عظيماً، وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك ولياً واجعل لنا من لدنك نصيراً، الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفاً«(1).
شرح المفردات:
يشرون: يبيعون.
الطاغوت: الشيطان وأتباعه من المستكبرين.
أولياء الشيطان: أتباعه وأنصاره.
الشرح:
إن الجهاد في سبيل الله من أعظم الطاعات وأشرف الأوامر الإلهية، ولأنه كذلك فقد أصبح الباب العظيم الذي يشرف إليه خواص الأولياء فيعرجون من خلاله إلى ربهم المتعال حيث السعادة العظمى وما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
وقد قال أمير المؤمنين وقدوة المجاهدين (ع) : »إن الجهاد باب من أبواب الجنة فتحه الله لخاصة أوليائه، وهو لباس التقوى ودرع الله الحصينة وجنته الوثيقة«(2).
أولئك الذين يوفقون لسلوك هذا الطريق العظيم والاستمرار والثبات عليه يعبّرون عن التقوى الحقيقية وهي الصدق في إتباع أوامر الله تعالى واجتناب محارمه فيدخلون في حصن الله الذي يمنع الشيطان من الدخول الى ساحاتهم والمكر بهم.
»فمن تركه رغبة عنه ألبسه الله ثوب الذل وشمله البلاء« (أمير المؤمنين)، لأن تركه يعد معصيةً كبيرةً وتمرداً على الله تعالى.
فضل الجهاد والمرابطة:
لا يعلم فضل الجهاد وعظمته إلاَّ من فتح الله عين بصيرته وخرج من الجبن والرذيلة وقد قال رسول الله(ص):
»ما من خطوة أحب إليَ من خطوتين: خطوة يسد المؤمن بها صفاً في سبيل الله وخطوة يخطوها مؤمن إلى ذي رحم قاطع يصلها«.
»لا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان في جهنم«.
»للجنة باب يقال له باب المجاهدين يمضون إليه فإذا هو مفتوح وهم متقلدون سيوفهم والجمع في الموقف والملائكة ترحب بهم«.
»لئن أحرس ثلاث ليالٍ مرابطاً من وراء بيضة الاسلام أحب إليَّ من أن تصيبني ليلة القدر في أحد المسجدين أو بيت المقدس«.
شروط الجهاد في سبيل الله:
ولكن هل كل من يحمل السلاح ويقاتل ينال بركة الجهاد ويحصل على آثاره؟ الكثيرون قاتلوا مع رسول الله(ص) ولكنه عندما توفي إنقلبوا على أعقابهم. فللجهاد شروط أساسية بمراعاتها ينال المجاهد ما وعده الله من الفضل العظيم والزلفة والمغفرة وأهم هذه الشروط:
1 - القتال تحت راية الحق:
إن الجهاد من التكاليف الإلهية ولا يجوز للانسان أن يشرع من نفسه حالات الجهاد وكيفيته بل عليه أن يتبع الشريعة الإلهية التي تأمر بالجهاد في سبيل الله والاسلام وإعلاء كلمته. ولذلك وجب أن يكون القتال تحت راية الحق وبقيادة الامام المعصوم (ع) أو من ينوب عنه.
2 - طاعة القائد:
من أهم شروط الجهاد في سبيل الله إطاعة القائد، قال تعالى: »يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم«(1).
النبي الأكرم(ص) أعدَّ جيشاً قبل وفاته وعيَّن قائداً عليه لم يتجاوز من العمر أكثر من عشرين سنة وكان ذلك سبباً عند البعض للتخلف والعصيان فعلم رسول الله(ص) بالأمر وقال جملته المشهورة »لعن الله من تخلَّف عن جيش أسامة«.
3 - التقوى:
وفي الجهاد تعتبر التقوى شرطاً أساسياً. فلا يطاع الله من حيث يعصى وإذا لم يحفظ المجاهد حدود الله فان الله يسلب منه فضل الجهاد. ومن الحدود الإلهية الأموال والأعراض والأنفس، قال الله تعالى: »ولقد نصركم الله ببدرٍ وأنتم أذلَّة فاتقوا الله لعلكم تشكرون«(2).
4 - الإخلاص:
وهو أن يقوم المجاهد لله وينفي ما عداه من نيته وغايته. فالدفاع عن الوطن أو العشيرة أو الشعب ينبغي أن ينطلق من طاعة الله والاخلاص له.
وعندما يطلب المجاهد الشهادة أو يسأل الله أن يدخله الجنة فذلك لأنها وسيلة للقاء الله والقرب منه.
5 - الاستعداد العسكري:
»وأعدُّوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدوَّ الله وعدوَّكم«(3).
6 - ذكر الله:
»يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيراً«(4).
7 - النصر من عند الله:
»وما النصر إلاّ من عند الله العزيز الحكيم«(5).
»يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويُثبِّت أقدامكم«(6).
»إن ينصركم الله فلا غالب لكم«(7).
8 - الصبر والثبات:
»يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلَّكم تفلحون«(Cool.
قصة وعبرة
أصحاب الامام الحسين (ع)
للامام الحسين (ع) كلمة بحق أصحابه يقول فيها: »ما رأيت أصحاباً أبرّ وأوفى من أصحابي«.
أحد كبار علماء الشيعة كان يشكك في نسبة هذا القول للامام الحسين (ع) وكان يستدل على عدم تصديقه لذلك النص بقوله: »إني كلما فكرت في نفسي، توصلت إلى أن أصحاب الحسين (ع) لم يقوموا بعمل خارق للعادة، بل إن العدو هو الذي أظهر خسةً ووضاعةً إلى أقصى حد، فالامام الحسين هو سبط النبي الأكرم(ص) وريحانته وهو ابن علي والزهراء L، وهو إمام عصره وهو وهو... لذا فمن الطبيعي أن ينصر الحسين (ع) أي مسلم عادي يراه في ذلك الوضع. أولئك الذين نصروه، لم يظهروا شجاعة فائقة وخارقة للعادة، بل إنَّ الذين لم ينصروه هم الذين كانوا سيئين جداً«.
ويتابع هذا العالم الكبير حديثه فيقول: »ويبدو أن الله سبحانه أراد أن ينقذني من هذه الغفلة والجهالة والضلالة فرأيت في عالم الرؤيا وكأني حاضر في واقعة الطف، فأعلنت للامام الحسين (ع) عن استعدادي لنصرته، إذ ذهبت إليه فسلَّمت وقلت: يا ابن رسول الله أتيتك ملبياً نداءك لأكون من أنصارك.
فقال (ع) : إذاً فانتظر أمرنا... ثم حان وقت الصلاة، فقال (ع) : نحن نريد إقامة الصلاة فقف أنت هنا كي تحول دون وصول سهام العدو إلينا حتى نتم الصلاة. فقلت: أفعل يا ابن رسول الله.
فشرع (ع) بالصلاة ووقفت أمامه وبعد هنيهة رأيت سهماً ينطلق نحوي بسرعة، فلما اقترب طأطأت رأسي دون إرادتي فإذا بالسهم يصيب الامام (ع)، فقلت والحديث لا زال في عالم الرؤيا أستغفر الله وأتوب اليه، ما أقبح ما فعلت، لن أسمح بعد هذا بتكرار مثله، أي بوصول سهم إلى الامام (ع).
وبعد هنيهة أخرى، أتى سهم ثانٍ، فحدث مني ما حدث في المرة الأولى، وأصيب الامام ثانية بسهم آخر. وتكرر الحال ثالثة ورابعة والسهام تصيب أبا عبد الله (ع)، وأنا لا أمنعها من الوصول إليه.
ثم حانت مني التفاتة، فرأيت الامام (ع) ينظر إليّ مبتسماً ثم قال: »ما رأيت أصحاباً أبرَّ من أصحابي«... إن الجلوس في البيت وتكرار قول »يا ليتنا كنا معك فنفوز فوزاً عظيماً«، لا قيمة له ما لم تقرنه بالعمل والتطبيق فهل أنت كذلك؟ إن أصحابي كانوا أهل عمل وتطبيق ولم يكونوا أهل قول مجرد عن العمل«(9).